الاثنين، أغسطس ٢١، ٢٠٠٦

كل شىء هادىء على الجانب المصرى


لقد صار المشهد معاداً.. ليس الى درجة تثير الدهشة و لكن الى درجة تثير الملل.. لقد رأيت هؤلاء البؤساء من قبل.. رأيتهم أثناء غرق العبارة و أثناء احتراق المسرح بل و أثناء اشتعال القطار الأول... لم تعد وجوههم الذاهلة و ملابسهم الممزقة و أشلائهم الطائرة تبدو غريبة و هم يقفون مشدوهين بين حطام القطارين.. ترى هل توقعوا أن يصلوا فعلاً الى منازلهم؟ هل ظنوا انهم يمكنهم ركوب القطار بأمان و دون خوف على حياتهم؟ لقد تغيرت قواعد اللعبة منذ زمن و صار موتك فى حادث قطار أو عبارة أو طائرة مجرد مسألة وقت لا أكثر... هل تخيلوا أنهم يمكنهم النجاة؟ هل ظنوا حقاً أن هناك من يهتم؟..

منذ سنوات قليلة فى الصعيد حدث مشهد مماثل ، و شاهد الناس قطاراً هو عبارة عن كتلة متحركة من النيران بينما ركابه يتم شوائهم أحياء.. هنا تصايح الجميع و قالوا ان المتسبب فى الحادث راكب أخرق ابى الا أن يستخدم وابور الغاز لعمل كوب من الشاى داخل القطار و فى اليوم الثانى نشرت الأهرام صورة عجيبة لوابور غاز (سليم تماماً) وسط ركام القطار و تحتها تعليق عبقرى يقول " وابور الغاز اللذى تسبب فى اشتعال القطار".. كاننا بهذه السذاجه.. ترى ماذا سيقال اليوم؟ بالتأكيد سيجدون مسكينا" ما يصلح ككبش فدأ ، عندئذ سيحملونه مسؤلية اصطدام القطارين و مصرع الركاب و من يدرى ؟ ربما يصلح أيضا" ليكون سبب انفلوانزا الطيور و الحرب الباردة.. و بمرور الوقت سينسى الجميع كل شىء و سيقتصر الحديث عن التعويضات اللتى ستدفعها الحكومة للضحايا ، كأن الأمور بهذه البساطة..

و لكن يبدو أن السيناريو سيتم تسريعه هذه المرة ، ففى خلال دقائق من الحادث أعلنت الحكومة انها ستصرف عشرة الاف جنيه كتعويض للمتوفى و خمسة الاف جنيه للمصاب.. ترى، هل هذا هو سعر الإنسان هذه الأيام ؟ هل ترضى عزيزى القارىء أن تبيع ساقك أو ذراعك بخمسة الاف جنيه؟ هل يكفى ورثتك عشرة الاف جنيه يتسلمونها فور مقتلك؟ لم لا ؟ لقد مات فى غرق العبارة حوالى 1400 مصرى (أكثر من عدد اللذين ماتوا فى الحرب الأخيرة بين اسرائيل و حزب الله) و مع ذلك خرج علينا من يقول انه لا داعى للإنزعاج لأن صاحب الشركة الكريم سيقوم بدفع التعويضات اللازمة ( كأن الأمور أيضا" بهذه البساطة) ، ما اللذى يمنع؟ فهؤلاء اللذين ماتوا ليس لهم أهمية كبيرة على اية حال.. لا يوجد منهم من يستطيع الغناء أو التمثيل أو حتى قذف كرة بين ثلاث خشبات ، هم مجرد عمال أو مهنيين يوجد منهم الكثير .. ربما لو كانت احدى راكبات القطار قد اهتمت بتعرية جسدها أو القيام بهز وسطها لوجدت من يقلها بسيارته الفارهة بدلاً من عناء القطارات.. ربما لو كانت ذهبت لما هو أبعد لوجدت من يعطيها سيارتها الخاصة.. انها غلطتهم اذاً برغم كل شىء..

يقولون أن عدد القتلى المبدئى يصل الى حوالى خمسون شخصاً ، يبدو اننا كنا محظوظين هذه المرة.. لقد تجاوز عدد قتلى العبارة الألف و عدد قتلى القطار الأول المئة ..ترى ، ما هو الرقم اللذى يكف الحادث عنده أن يصبح حادثاً و يتحول الى مأساة ؟ هل هو مئة ؟.. مئتين؟.. ألف؟ هل تذكرون رواية ماريماك القاتمة " كل شىء هادىء على الجانب الغربى" ؟ تلك اللتى تتحدث عن صبى ألمانى وجد نفسه مجندا ليحارب فى الحرب العالمية الأولى.. لقد كان لهذا الفتى طموحات و أمال و أحلام .. كانت له حياة .. و حين مات لم يهتم به أحد ، و بعثت سريته تقريرا" مقتضبا" للقيادة يقول : " قتل اليوم جندى واحد فقط .. كل شىء هادىء على الجانب الغربى.." ، ترى ، متى صار كل شىء هادئاً فى مصر؟ متى أصبحت الحياة البشرية بلا قيمة ؟ أو لنقل بعشرة الأف جنيه؟..

الغريب ان يوم الحادثة وافق يوم عيد الإسراء و المعراج تماماً كما وافق حادث القطار الأول يوم العيد.. هل هى صدفة ؟ هل يحاول القدر أن يخبرنا شيئاً ؟ هل هو قضاء و قدر أصلاً ؟ لم لا يكون الموضوع كله هو أننا ندفع فاتورة اخطائنا و أننا – ببساطة- نحصد فقط ما زرعناه ؟ إن الكوارث المتعاقبة تكشف أن حجم الفساد و الإهمال قد صار خرافياً ، ربما الى درجة أننا لا نستطيع مواجهنه و لا التصدى له ، ربما اكتشف بعض أولى الأمر أن ترك الأمور على حالها هى أنسب سياسة و أن أفضل طريقة لحل مشاكل الشعب هى القضاء على الشعب ذاته..

أتعلمون يا أعزائى ما هو أكثر ما يؤلم فى هذا الموضوع ؟ انه الشعور غير الطبيعى بالعجز و قلة الحيلة.. اننى اقف متفرجاً على هذا الحادث مثلما وقفت متفرجا" على حادث العبارة و المسرح و القطار الأول و كما سأقف متفرجاً على الحادث القادم بلا شك .. لأننى ببساطة لا يوجد بيدى ما أفعله .. تماماً كما لا يوجد بأيديكم ما تفعلونه.. كل شىء يحدث رغماً عنى و ضد إرادتى.. بينما يوجد أخرون يعرفون ما يفعلونه جيداً .. لهذا لا تجد مسؤلاً واحداً حقيقياً يتحمل نتيجة تلك الكوارث ، و تجد دائماٌ من يستطيع تأمين نفسه بالشكل المناسب أو حتى الهرب فى الوقت المناسب، هناك من هو ليس على شاكلة ركاب القطار البلهاء اللذين لا يستطيعون إنقاذ أنفسهم ، هناك من يستطيع النجاة حتى لو حرق بضع مئات من الركاب أو أغرق بضعة ألاف من المسافرين فى عبارته ، فهو سيدفع التعويضات للضحايا على كل حال..

يبدو أن الأمور فعلاً بهذه البساطة..

كلمة أخيرة

I balanced all, brought all to mind..
The years to come seem waste of breath..
A waste of breath the years behind..
In balance with this life…This death..

لقد وزنت كل شىء و فكرت فى كل شىء،
السنوات القادمة تبدو مضيعة للوقت..
و بما أن السنوات السابقة كانت ايضاً تضيعاً للوقت..
إذن هذه الحياة .. تساوى الموت..

المقطع الأخير من قصيدة
“An Irish Airman Foresees His Death”
William Butler Yeats

محمد هاشم
2006-08-22

الثلاثاء، أغسطس ١٥، ٢٠٠٦

فلسفة مشوية.. أو مقلية أحياناً


ء" هل تؤمن أن الأديان و الأنظمة القائمة على الإيمان يمكن أن تسبب الصراعات و التناحر؟
هل تؤمن أن البحث عن " حقيقة الخلق" من خلال من خلال التنظير و اختراع الألهة هو محض هراء؟
هل تعتقد أن الجنس البشرى يجب أن يقضى وقتا" فى البحث عما يجمعه أكثر من ذلك اللذى يقضيه فى البحث عما يفرقه؟
هل تظن معظم وقتنا على الأرض يجب أن نقضيه فى تقدير الطبيعة و الإحتفال بها؟

إذن يمكنك أن تصبح سمكيا

بالمناسبة ، السمكية ليست تنظيما" و ليس لها عضوية و لا نادى أو تجمع من أى نوع ..!!"ء

(Fishism) منقول عن موقع يروج لنوع من الفلسفة يدعى السمكية )

(إن بعض الناس يملكون مزاجا" رائقا" بحق..

الأحد، أغسطس ١٣، ٢٠٠٦

كاريكاتير -1


أعشق الكاريكاتير حين يصبح قطعة من الإبداع الصافى ، انظر الى هذا الرسم لشريف عرفة (الرسام و ليس المخرج بالطبع)على سبيل المثال ،و اللذى - من وجهة نظرى- يستحق المركز الأول فى أى بينالى عالمى لرسوم الكاريكاتير ، فهو يخلو من أى تعليق و لكن يمكن لأى إنسان على وجه الأرض فهمه مهما كانت خلفيته الثقافية أو الإجتماعية ، و يحتوى على فكرة فلسفية عميقة ، إن الملاك الذى تهيم به ليس بالبرأة التى يبدو عليها (منذ حوالى اسبوعين شاهدت موقفا" ذكرنى بهذا الكاريكاتير بشده – يبدو أن الحياة فعلا" تقلد الفن كما قال أوسكار وايلد) .. أنظر الى الإهتمام بالتفاصيل بدأ" من الإختيار الساخر لجو العصور الوسطى – الشهير برومانسيته- الى كأس الخمر الموضوع على المنضدة و الأهم الطريقة التى رسم بها الجالس فى السرير و ملامح الخبث واضحة عليه ، لاحظ كذلك نظرة الحبيب الحالم الملتاعة و كذلك وجه الفتاة الذى يحمل إبتسامة من يعرف الحقيقة و لكن يفضل الإحتفاظ بها لنفسه..،

كاريكاتير فى منتهى الجمال و منتهى القسوة فى الوقت ذاته..،

الخميس، أغسطس ١٠، ٢٠٠٦

قلم

أنفقت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) 12 بليون دولار و ثمانى سنوات من البحث و الدراسة لتطور قلم حبر يصلح للكتابة فى الفضاء الخارجى... ، كان يجب لهذا القلم أن يعمل فى ظل إنعدام الجاذبية كما كان يجب أن يتحمل درجات حرارة مختلفة و يمكنه الكتابة على أى سطح...

لقد إستعمل الروس قلم رصاص..

(المصدر مجهول)

الأحد، أغسطس ٠٦، ٢٠٠٦

لماذا؟

حسنا" ، لقد فعلتها .. لا يزال ذهنى يحاول إستيعاب هذا القرار و مازال عقلى الباطن يصرخ قائلا" : " إرجع أيها المجنون .. فلست أنت من يمكنه فعل ذلك.." ، فبالنسبة لى تبدو كتابة المدونات عملا" خرافيا" جدير بأبطال الأساطير الإغريقية و ألهة الأوليمب..، إن من يجسر على أن يجلس لكتابة أفكاره يجب أن يكون عملاقا" من نوعية غاندى أو كافكا أو العقاد.. على الأقل هؤلاء لديهم ما يقولونه.. و لكن ماذا عنى أنا ؟ أنا لا أقضى ساعات طويلة مرهقة أفكر فى حلول لمشاكل البشرية ، و لا أقضى الليل ساهرا" فى مناقشة قضايا فلسفية أو شرح ميكانيكا الكم ، إن وصف حياتى لا يزيد عن الكلمات التالية : نمت ، صحوت ، ذهبت الى العمل ، أكلت ثم نمت من جديد... إن ذروة يومى هى تلك اللحظة التى يصل لى فيها طعام الغذاء ساخنا" ، و أقصى أمل لى فى هذه الحياة أن أجد تلك البائسة التى ستوافق على التضحية لتشاركنى حياتى تلك.. ترى ما اللذى يمكن أن أقوله و يكون من الأهمية بحيث يمكننى وضعه فى مدونة ما؟ إن حياتى عبارة عن سلسلة طويلة من القرارات الخاطئة ، فما اللذى يجعل رأى مفيدا" لأى أحد؟ ما ذنب هؤلاء المساكين اللذين أوقعهم حظهم العاثر فى تلك المدونة و جعلهم يقراؤن هذه السطور؟ لماذا أقدم إذن على هذه الجريمة؟

الحقيقة لا أعرف .. قد يكون نوعا" من المغامرة أو التحدى ، و ربما لأننى لا أجد شيئا" أفضل أفعله ،و ربما أيضا" كان نوع من الغرور .. من الممتع حقا" أن تحول مشاكلك الشخصية اللتى لا تهم أحدا" سواك الى قضايا عالمية تثير فضول الجميع (بالتأكيد شعر براد بيت و جنيفر أنستون بنوع من السعادة و هم يتابعون أخبار طلاقهم على كل محطات العالم.. إن حياة المشاهير ليست بهذا البؤس اللذى يدعونه).. من الرائع أن تجد طريقة ما تخبر بها كوكب الأرض بأسره بما تفكر فيه مهما كان تافها" أو سخيفا" أو غبيا"، إن هذا يعطيك فرصة نادرة كى تجلس فى وقار يوما" ما و أن تهز رأسك بحكمة و تقول بأسى : لقد حذرتهم و لكنهم لم يبالوا.. فقط لو كان العالم إستمع الى وقتها ، لما وصل به الحال الى هذا السوء.

لحسن الحظ ، لا تبدو الأمور بهذا التعقيد ، فألاف البشر يكتبون مدونات و لم يصبهم شىء ، و من المبالغة أن أفترض أن العالم
سيزول لمجرد أننى قررت أن أكتب مدونتى
و لكن كل الأسباب السابقة قد تبدو منطقية و لها ما يبررها و لكن ماذا لو كان هناك شىء أخر... ماذا لو كان كل هذا مجرد محاولة و لتعلم شىء ما؟ أن أعرف محمد هاشم بصورة أفضل.. إن هذا ليس سهلا" كما تظنون.. كم منا يستطيع أن يزعم أنه يعرف نفسه حق المعرفة؟ إنزل الى الشارع الأن و اسأل أى شخص تجده عن أبرز عيوبه و ستسمع أغرب إجابات فى التاريخ.. ستجد من يقول لك أن أبرز عيوبه هو أنه أطيب من اللازم أو أنه يثق بالأخرين أكثر من اللازم أو إنه يحرص عليهم أكثر من اللازم .!!!.. ماذا تركنا للملائكة إذا"؟ و إذا كنا كلنا بهذه الروعة فمن أين يأتى المرتشون و القتلة و قطاع الطرق؟..

يقولون : إن الشجاعة الحقيقية هى أن تعرف نفسك على حقيقتها و الشجاعة الأكبر أن تصارح الأخرين بهذه الحقيقة ، ربما كان هذا هو ذنبكم يا من تقراءون هذه السطور..لقد ارتضيتم ان تكونوا (الأخرين) اللذين سيستمعون الى هذا الهراء.. لقد دخلتم الى هذه المدونة بإرادتكم و لم يجبركم أحد على قرائتها ، لقد كان هذا قراركم وحدكم ، فلا تلوموننى على شىء إذا"..

و على كل حال فالوقت مازال مبكرا" ، و يمكنكم الرحيل إذا أردتم ، فأنا لا أستطيع أن ألومكم كما لا أستطيع أن أعدكم بشىء إذا ما قررتم البقاء ، فقط أقول أنه يسعدنى وجودكم معى و زيارتكم لى من وقت لأخر.. و من يدرى ؟ قد لا تكون الأمور بهذا السوء اللذى تظنونه و ربما حتى نتعلم شيئا" سويا

لقد إتخذت قرارى .. بدليل أنكم تقراءون هذه السطور .. فماذا عنكم أنتم..؟

إن الباب مفتوح الأن.. فهل تدخلون معى؟