الثلاثاء، فبراير ١٣، ٢٠٠٧

تاج الجزيرة

لقد تم تمرير تاجين لى فى الاسبوعين الماضيين... ارجوكم لا تدعوا ان الجملة السابقة طبيعية و مفهومة ، انا نفسى لم أفهم ماذا تعنى الا عندما قرأت ما كتبه العمدة قاسم أفندى فى مدونته ، الموضوع باختصار هو أن التاج عبارة عن دعوة لكى تكشف خمسة أشياء لا يعرفها أحد عنك ، عادة انا لا أحب أن اتكلم عن نفسى ، انتم تعلمون كم انا انسان رائع و متواضع و لكن بما أن التاج مصدره العزيزين قاسم أفندى و عبد الرحمن جادو فلا سبيل الى الرفض اذا ً.. كما انه ليس من اللائق ان اخذل المهتمون بمعرفتى أكثر كما ترون...لقد حصلت على تاجين و ليس واحدا كما لاحظتم ..

يبدو أننى أكثر أهمية مما ظننت..

الأول :

لست من هواة المقالب و لا المزاح العملى ، و لكن بعض الناس يبدو و كأنه يدعوك كى " تشتغله " ، أذكر أن اليوم كان الأثنين كما كان أول يوم أحضر فيه سكشن فى أولى عمارة ، فبرغم أن الدراسة قد بدأت قبلها بيومين الا اننى لم أحضر لتضارب مواعيدها مع مواعيد التدريب العسكرى اللذى كنت اؤديه فى تلك الفترة ، و كانت أول مرة أرى فيها أفراد دفعتى البائسة ، لذا صرت اتجول وسطهم فى استوديو الرسم كالسائح شاعرا بلامبلاة غريبة ، و كان من تقاليد الدراسة أن يقوم المعيد بتوقيع لوحات الرسم البيضاء حتى يضمن أن الطلبة قد قاموا برسم اسكتش التصميم المعمارى داخل قاعة الرسم ، و لأننى كنت دائما أبدو أكبر من سنى ،لذا وجدت أحد الطلبة يقترب منى و يخاطبنى بكل أدب و احترام قائلا : " لو سمحت يا فندم.. تسمح توقع لى على اللوحة؟" و أعقب كلامه هذا بأحناء رأسه فى وداعة ، حتى اعتقدت أنه يظننى أحد كهنة أمون رع و ليس فقط أحد المعيدين لذا وجدت نفسى أقول له بكل محبة أبوية : " قوى قوى يا حبيبى .. فين اللوحة؟" جرى بسرعة ثم قام باحضارها و أعطانى القلم و هو يتراجع خطوات الى الوراء بظهره من فرط الاحترام ، أخذت القلم و قمت بالتوقيع بعطف و قلت : " اتفضل يا سيدى .. أدى توقيعى.." ، ثم انصرفت و اذا به يتبعنى قائلا ً : طب المطلوب مننا ايه دلوقتى يا فندم؟"
أجبت ببرود : و أنا ايش عرفنى انا طالب زيى زيك
نظر لى فى بلاهة حقيقية و صاح قائلا ً: يعنى انت مش معيد ؟
قلت : لأ طبعا
قال : و مضتلى على اللوحة؟
ادركت انه ليس قوى الملاحظة لذا قلت ببرود أكثر : أيوه
قال : طب ليه؟
قلت : الله .. واحد جاللى و طلب منى توقيعى .. أقوله لأ؟ عايزنى أكسفك يعنى؟
قال لى و هو فى شبه حالة انهيار : طب أنا أعمل ايه دلوقتى؟ انت خلاص بوظتلى اللوحة
قلت: أقلبها و اشتغل على الناحية التانيه
و تركته و أنا أهز رأسى فى حكمة حقيقية متحسرأ على شباب اليومين دول اللذى لا يعرف كيف يتصرف كما لا يعرف كيف يفرق بين المعيدين والطلبة بينما هو يتابعنى ببصره فى ذهول...

فى الأسبوع التالى علمت أنه قام بالتحويل الى قسم أخر....

الثانى:

كان سفرى الى سلطنة عمان من أقسى التجارب اللتى مررت بها و لكنها كانت – للحق- من أكثرها إفادة ، عندى الكثير من القصص اللتى يمكن أن أرويها و لكن أطرفها كانت تلك : كنت معزوما فى احدى الايام عند أحد الأصدقاء العمانيين و كانت الجلسة تضم خليطا من الجنسيات و الثقافات و من ضمن الجلوس كان هناك بعض أفراد القبائل و البدو البسطاء غير المتعلمين و دار الحديث حتى وجدتهم يتحدثون عما يطلق عليه "العيل كانن فى بطن أمه" ، بالسؤال علمنا أن الفكرة هى أنه فى بعض الحالات لا تكون فترة الحمل لدى المرأة تسعة أشهر كما هى العادة بل قد تمتد الى عام أو عام و نصف أو أكثر يكون فيها " العيل كانن فى بطن أمه" ، بالطبع هذا تفسير مناسب جدا ً لكيف تحمل المرأة من زوجها المتوفى أو اللذى غاب عنها لفترة طويلة ،و بالطبع – من باب الأدب – لم ينطق أحد منا نحن الأجانب الموجودين بكلمة و لكن الأمر لم يعجب أصدقائنا العمانيين المتعلمين لذا أخذو يجادلون فى هذه الفكرة رافضين تصديقها و اخذ الحوار فى الأحتداد حتى غضب أحد الشيوخ كبار السن و صاح قائلا ً : " أنتو ليش مو مصدقين.. أنا نفسى كنيت فى بطن أمى سنتين قبل ما أولد..!!!!"ء

نظرنا الى بعضنا و كتمنا ضحكاتنا بأعجوبة..

الثالث :

أنا لا أبكى.. ليس هذا من قبيل أظهار القوة و الصلابة .. و لكن فى المواقف اللتى أتعرض لها لضغوط نفسية شديدة فأننى – بدلا ً من البكأ تنتابنى حالات فزع تسمى
Panic Breath
و هى عبارة عن ضيق شديد فى التنفس يبدأ فى الفجر و تستمر حتى الظهيرة ، أكون فيها فى أسواء حالاتى حتى أننى يخيل لى اننى أتنفس من ثقب أبرة ، أذكر أنه حين توفت جدتى و بعدها جدى بفترة قصيرة للغاية ( و اللذان كنت أكن لهما الكثير من الحب) أننى لم أذرف دمعة واحدة و لكننى لم أنم لمدة ثلاثة أسابيع لأننى –ببساطة- لم اكن استطيع التنفس...

رباه ، كم أتمنى لو أننى استطيع البكاء...

الرابع :

The Tao of Hashem..."أحد أهم أسرار حياتى هو " طاو هاشم
و هو عبارة عن قائمة تضم كل درس أو حكمة تعلمتها فى حياتى ، الفكرة أخذتها من الفيلسوف الصينى لاو تسيو اللذى ألف كتيبا صغيرا لا يتعدى الصفحتين يدعى " طاو" أى "الطريق" بالصينية و هو – على صغره – من أهم مراجع فى فلسفة شرق أسيا القديمة و كما هى العادة فى تلك البلاد تحولت الطاوية من فلسفة الى ديانة و لكن على العموم لقد أوحى لى هذا بتدوين خبراتى على شكل مبادىء ، لا يهم طولها أو قصرها أو طريقة كتابتها أو حتى ما إذا كانت بالعربية أم بالأنجليزية،.. المهم أن يعبر المبدأ عن الحكمة أو الدرس اللذى تعلمته بأقصى وضوح ممكن ، ولقد أرسلت حوالى أربعة مبادىء منها الى مجموعة الفاجومى فى رسائل متفرقة ، و للأمانة لقد توقعت أن تلقى الكثير من الأهتمام و لكنها لم تلفت انتباه أحد و لم يسألنى عنها الا المشاغب أحمد عزام اللذى سألنى عن عددها ذات مرة...لا بأس .. قد يحتاج الأمر مئات السنين قبل أن يدرك العالم مدى عبقريتى و تواضعى..

بالمناسبة ، هم ثمانية عشرة مبدأ حتى الأن...

الخامس :

لست بارعا ً مع الفتيات ،فبالرغم من أننى كنت فى صغرى أظن أننى ذو جاذبية خاصة و أننى سأكبر لأصبح فاتنا ً إلا أنه بمرور الوقت أخذ هذا الأحساس فى التلاشى و بدأت أوقن الحقيقة المؤلمة : أنا لا أثير أهتمام النساء و لا حتى فضولهن ، القاعدة العامة هنا هى أنهن لا يلاحظننى و لا يذكرننى على الأطلاق ، لذا يمكنكم أن تفهموا مدى سعادتى حين التقيت بتلك الفتاة الروسية الحسناء فى أحد الأماكن و استطعت اقناعها بتناول بعض الشراب معى ، كانت الامسية لطيفة للغاية ولم يضايقنى الا انها قالت لى أنها ستسافر الى بلدها لمدة أسبوعين ثم ستعود و لكننى سعدت كذلك عندما طلبت منى رقم هاتفى كى نتقابل مرة أخرى حين تعود ، تبادلنا أرقام الهاتف و عدت الى المنزل فى قمة السعادة ، انتظرت اسبوعين بفارغ الصبر ثم اتصلت بها ، وجدت الهاتف مغلقا ً فأدركت أنها لم تعد بعد ، أرسلت لها رسالة أسالها عن أحوالها و أطلب منها أن تتصل بى حين تعود..

مرت الأيام و نسيت الموضوع ، و ذات يوم فوجئت بالهاتف يرن و برقم غريب يظهر.. قمت بالرد فسمعت صوت فتاة تصيح بحماس قائلة :
call me, call me..
ثم أغلقت الخط ، بالطبع أنا لم أفهم ما حدث و لأننى لم أرد المغامرة بالقيام بمكالمة دولية للتحدث مع فتاة ما لا أعرفها فقد تجاهلت الموضوع و لم أتصل بها ، فوجئت بعدها برسالة تقول " أنا فلانة.. اتصل بى" ، عندها تذكرت من هى فرددت برسالة على الفور مرحبا ً بها و سألتها عن أحوالها و أين هى الأن.. ردت على برسالة قائلة أنها فى بلدها و أنها ستأتى الى دبى بعد اسبوعين ، رددت بدورى متمنيا ً لها أن تقضى أجازة سعيدة و أن تصل سالمة الى دبى قائلا ً أننى أتمنى لقائها حين تعود.. فردت على برسالة أخرى مفاجئة قائلة : " و لكننى لا أذكرك ، و لا أعلم من أنت..!!!!!".ء

هل رأيتم ماذا يحدث هنا ؟ فى البداية كانت الفتيات يكتفين بتجاهلى و عدم تذكرى ...الأن صرن يجرين مكالمات دولية - فقط - لكى يخبرننى أنهن لا يذكرننى....!!!ء

يمكننى اعتبار هذا تقدما ً....ء

الخميس، فبراير ٠١، ٢٠٠٧

مشروع فينوس

كانت طبيعة المشروع هى سبب اختيارى لمجموعة التخرج تلك ، - فلمن لا يعلم – فإنه يتم فى السنة النهائية فى قسم العمارة اللذى أدرس به تقسيم الدفعة الى مجموعات لمشروع التخرج تختص كل منها بفكرة مشروع معين ، كل منها بالطبع حسب الفكر العام المسيطر على أساتذتها ، و قد كانت فكرة المشروع هى ما جذبتنى، لقد كانت التيمة التى نتحدث عنها هنا هى تصميم وحدة مستقبلية عملاقة تستوعب ألاف البشر و ذات اكتفاء ذاتى و تقوم باستغلال مورد أو أكثر فى المنطقة المقام بها ، باختصار تخيل مدينة كاملة تعيش و تنام و تعمل فى منشأ واحد عملاق...

لذا كما ترون كنت متحمسا ً للغاية ، و شرعت فى العمل و البحث بجدية و لكن سرعان ما تبخرت هذه الحماسة ، فبالتدريج أدركت أن الأمور ليست كما توقعت، أن الأساتذة المشرفين على المجموعة (ربما باستثناء واحد أو اثنين) لا توجد عندهم أدنى فكرة عما يتحدثون عنه ، ففى الوقت اللذى أوشك ذهنى فيه على الانفجار محاولاً ايجاد نظم و علاقات لمختلف نواحى الحياه فى المستقبل ، كانت القاعدة اللازمة للحصول على الامتياز أبسط بكثير مما تخيلت : " اذا كان شكل المبنى غريباً بما يكفى فهو على الأرجح مبنى مستقبلى يصلح لأى شىء" ، المهزلة الحقيقية كانت يوم تسليم المشاريع ، كل ما رأيت كان عبارة عن مجموعة من تصاميم المبانى الخزعبلية لا أكثر ، بلا أدنى فكر من أى نوع ، بل ان البعض قدم مشروعه على انه تصميم لانقاذ البشريه فى حالة حدوث كارثه طبيعية ، أخر قام بتصميم متحف لتاريخ الأنسانية و هكذا تلاشت فى لحظات أى فكرة محورية عن التنمية و المدينة المستقبلية و كيفية استغلال موارد المنطقة المقام عليها المشروع ، ناهيك عن الأخطاء المعمارية الفادحة مثل عدم وجود أماكن للسكن للمقيمين فى تلك المدن ، أو عدم وجود سلالم أو دورات مياه!! باختصار يمكن لأى انسان يمضى أكثر من خمس دقائق بين هذه المشاريع ( و منهم مشروعى بالطبع) أن يدرك حجم الكارثة ، الغريب أن الأساتذة المشرفين كانوا فى قمة السعادة ، لم لا؟ فقد كانت مجموعتنا تضم أغرب تصاميم لمشاريع التخريج كما كان اخراجها جيدا ً باستخدام الكميوتر على عكس المجموعات الأخرى التى اكتفت بأخراج مشاريعها يدويا ً،( اننا مجموعة مستقبلية للغاية كما ترون )..
المهم أننى توصلت لإكتشاف هام ، و هو أنه – بالإضافة الى كونهم لا يعرفون ما يتحدثون عنه – فإن هؤلاء الدكاترة المشرفين ليسوا أيضا ً بالذكاء اللذى يبدون عليه ، و أن أى محاولة منهم لتقديم رؤية مستقبلية ستسفر عن كارثة بكل تأكيد...

لحسن الحظ أن هناك جاك فريسكو...

******************************

لو لم يثر جاك فريسكو اهتمامك فهناك إذن شىء خطاء بكل تأكيد ، فهو – لمن لا يعلم أيضا ً – عالم و معمارى و مخترع ذاتى التعليم ، ، و صاحب سيرة ذاتية مدهشة و ينسب اليه الفضل فى عدد من الأختراعات المعقدة اللتى تحتفظ وزارة الد فاع الامريكية بسرها حتى الأن ، و هو أحد أكثر المهتمين بمستقبل البشرية و لكن ما يميزه حقا ً عن بقية المنظرين المستقبليين هو أنه لا يكتفى بتخيل ما سيكون عليه المستقبل و لكنه لديه خطة لتغيير العالم ككل ، فمن وجهة نظر جاك فإن المنظومة التى يعيش من خلالها العالم حاليا ً لا تصلح لحل مشاكله حتى لو أنفقنا كل ما نملك لتصحيح كافة الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية فإن ذلك يحتاج الى كثير من الوقت و لن يعطى فى النهاية الا تأثيرا ً محدودا ً ، لذا فالحل الأنسب هو إعادة بناء عالم جديد تماما ً معتمدا ً على تكنولوجيا متطورة جدا ً و يتمتع فيه كل فرد بمستوى معيشى عالى للغاية ، فى تناغم تام مع الطبيعة.

Think Tank لذا قام جاك (مع مجموعة من المتحمسين لفكرته و المتخصصين من كافة المجالات ) بإنشاء
فى منطقة فينوس بولاية فلوريدا ، كل هدفها هو التفكير فى حلول لتطوير مستقبل البشرية بل و تطبيق بعض هذه الأفكار على الطبيعة لو أمكن مستغلين مساحة 25 هكتار مخصصة لما أطلق عليه " مشروع فينوس" ، و لأن خزانة التفكير تلك تضم متخصصين من كافة المجالات فقد شملت الحلول المطروحة كافة نواحى الحياة بدأ ً من السكن و المواصلات و حتى تخطيط المدينة ذاته ،و بالفعل ظهرت الكثير من الأفكار المثيرة للاهتمام، على سبيل المثال كانت نماذج المبانى الأولية على شكل قباب لسبب منطقى ، و هو أن شكل القبة هو أقل شكل يحتاج الى مواد بناء لتغطية مساحة ما ، هذا بالاضافة الى كونه تشكيل شديد الثبات و يستطيع مقاومة الزلازل و تحمل سرعات هائلة للرياح و الأعاصير ، و فوق هذا كله فانه يمكن تصنيعه مسبقاً من الخرسانة المسلحة و بالتالى يتم توفير وقت و جهد البناء.

و لكنهم لم يكتفوا بالمبانى الصغيرة ، بل وضعوا تصميمات لناطحات سحاب عملاقة يصل ارتفاعها الى ميل كامل و تضم كافة الخدمات اللتى يحتاجها الفرد بدأ ُ من السكن و العمل و حتى التسويق و التعليم و الترفيه، و ذلك لتوفير مساحات الأراضى و استغلالها كحدائق و متنزهات طبيعية من ناحية و تقليل الحاجه الى الخروج من ناطحات السحاب هذه من جهة أخرى لتوفير
الطاقة و تقليل الضغط على شبكة المواصلات ،(و هو نوع من التطوير لنظريات لوكوربوزيه حول مدينة الغد كما لابد و أن لاحظتم) الفكره هنا باختصار هى أنه اذا عجزنا عن تحقيق التوازن بين الكثافة البشرية و قدرة سطح الأرض على الاستيعاب فاننا قد نحتاج الى الارتفاع فوقه ، بل و قد نحتاج الى اللجوء الى البحر أيضا ً ... لذا قاموا بوضع عدد من التصاميم لمدن تحت سطح البحر و أخرى طافية فوقه..





و لكن حتى تصميم المدينة العادية نفسه كان مختلفأ ، فالذى تم اقتراحه هو ان تنشأ المدينة على شكل دائرة يتوسطها القبة المركزية التى تضم نظام الكمبيوتر اللذى يتولى صيانة المدينة و ادارتها كما تضم مختلف الخدمات التعليمية و الصحية و رعاية الأطفال و ما الى ذلك ، ثم تأتى حلقة من المبنى حول تلك القبة و تضم الخدمات الترفيهية و الثقافية من مسارح و معارض و ما الى ذلك تليها حلقة أخرى تضم الوحدات السكنية المحاطة بالحدائق و المناظر الطبيعية ثم حلقة لتوفير مصادر الطاقة النظيفة و المتجددة ثم حلقة أخيرة للزراعة و الرى و تخصص مناطق خارج المدينة للترفيه و الألعاب كالجولف و ركوب الدراجات و ما الى ذلك ، وهذا التصميم أيضا ً يعتبر تطويرا لنظرية المدينة الحدائقية اللتى تحدث عنها سير ابينزير هوارد فى أواخر القرن الثامن عشر.

كل هذا بالطبع بالاضافة الى مئات التصميمات المعقدة لوسائل نقل و معدات بناء و أجهزة حفر عملاقة ، كل هذا لتقليل التدخل البشرى و توفير الوقت و الجهد ، و لكن جاك لا يكتفى بهذا ، انه يدعوا الى اعادة تشكيل ثقافتنا من جديد ، فكرته هنا هو أننا نتحدث عن الحضارة بوصفها مفهوم ستاتيكى ثابت فى حين أنه فى الحقيقه لا يوجد بشر متحضرون حتى الأن ، فطالما أنه هناك حروب و بوليس و جرائم فإن البشرية مازالت أبعد ما تكون عن التحضر ، و لكن لحسن الحظ أن التجربة قد علمتنا أن السلوك البشرى يمكن تغيره بالسلب أو الايجاب لذا يمكننا – فى ظل الظروف الملائمة – أن نلغى الكثير من المبادىء الهدامة كالجشع و الحقد و الكراهية و التى نكتسبها نتيجة احتكاكنا اليومى بمنظوماتنا الاجتماعية و السياسية ة الاقتصادية و اللتى عجزت عن تقديم أى حلول جذرية أو جادة للمجتمات البشرية بصفة عامة ، بل انه يذهب الى حد أبعد من ذلك و يطالب بتغيير النظام الاقتصادى العالمى اللذى يعتمد على المعاملات النقدية و استبدالة بنظام اخر يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية و هو موضوع طويل و معقد و يحتاج الى مقال منفصل ( على فرض اننى استطيع استيعابه أولا ً)..ء


تذكرت كل هذا و أنا أقراء عن عزم الدولة على تنفيذ مشروع قديم تقدم به د. فاروق الباز لإنشاء تجمع سكانى شريطى فى الصحراء الغربية موازى لنهر النيل بهدف استيعاب النمو السكانى فى مصر و احداث تنمية حقيقية على جزء كبير من أرض مصر ، المشروع كبير و طموح كما ترون ، بل و يصلح تماماُ لأن نطلق عليه مشروع قومى و الأهم أنه مشروع جاد قابل للتنفيذ درسته عقلية علمية لها احترامها ، انا – كعادتى فى تلك المواقف – تحمست للغاية و انا أقراء هذا الكلام ، ان فكرة "البداية الجديدة" فكرة جذابة دائما ُ ، من منا لا يحلم بأن يعود به الزمن الى الوراء ليصحح ما أخطاء فيه و يستفيد مما تعلمه طوال حياته ؟ ، أذكر جيداً أن شعوراً مشابها ً قد جأنى ايام الاعلان الأول عن مشروع توشكى ، لقد كنت صغيرا ً وقتها و كنت متحمسا ً للغاية خاصة فى ظل الضجة الأعلامية اللتى صاحبت هذا الأعلان ، حتى أننى صرت من أنشط الداعين الى مساندة المشروع و صرت أتحدث عنه لكل من حولى بحماس حقيقى ، لو كنا فى الستينات و رأنى أحد زعماء الاتحاد الاشتراكى لولانى رئاسة احدى لجانه بكل تأكيد ، و لكن أخذت الأيام تمر ببطء و بدأت أخبار توشكى فى التناقص و الاهتمام بها يقل حتى تلاشى تماماً ، و هائنذا بعد عشرة أعوام أكتشف أننى كنت مغفلا ً من العيار الثقيل...

و لكن يبدو اننى لم اتعلم الدرس ، لأننى وجدت نفسى – رغما ً عنى – سعيدا ً بما سمعته عن مشروع د. الباز ، و هائنذا تراودنى نفس الأحلام عن المشروع العملاق اللذى سيغير وجه مصر و ينقلها الى مستقبل أفضل ، كل ما أخشاه أن يصبح هذا المشروع مثل أى شىء أخر فى مصر مجرد عمل دعائى صرف تشرف عليه مجموعة من المنتفعين أو متحجرى الفكر اللذين لا يملكون أيه رؤية خاصة – أو عامة – للمستقبل من أى نوع ، اننا فى أشد الحاجه الى من هم مثل جاك فريسكو و مجموعته ، لا أقصد هنا أن نبنى ناطحات سحاب عملاقة أو عربات طائرة ً و لكن أقصد التحرر من الأفكار التقليدية التى ثبت فشلها فى كل مرة و محاولة ايجاد رؤية خاصة بنا تشمل المجتمع ككل و ليس فئة محددة منه ..باختصار نحتاج الى الابتكار الحقيقى والابداع الأصلى..

ترى هل هذا صعب؟ هل هذا مستحيل؟ هل يمكن أن نصنع شيئاً جميلا ً هذه المره و لو على سبيل التغيير؟ ترى هل يمكن أن نبدأ من جديد؟ انا عن نفسى لا أستطيع أن أمنع نفسى من التفاؤل برغم كل شىء و لكن ما أدرانى؟

لقد تحمست لمشروع توشكى من قبل...ء

كلمة أخيرة

يوجين : ماذا عن موضوع الاختلاس هذا؟
ألان شور : اه .. هذا يمكن تفسيره ببساطة ، لقد قمت بنصف ما قام به روبن هود ... أخذت من الأغنياء...ء
يوجين : ثم؟
ألان شور : ثم لا شىء ، هذا ما قصدته بنصف ما قام به روبن هود...!!!ء

The practice من مسلسل
بتصرف We the people حلقة