السبت، يونيو ١٨، ٢٠١١

إنهم يحقدون علينا

فى عام 2009 قام العقيد معمر القذافى بزيارة هامة الى أوروبا ، بدأها بزيارة إيطاليا لعقد بعض اللقاءات السياسية ثم توجه بعدها الى فرنسا لنفس الغرض ، و لكن كان هناك هدف أخر هام أراد القذافى تحقيقه من هذه الزيارات ، لقد كان يريد عرض أفكاره لحل مشاكل المرأة الأوروبية على النساء فى تلك المجتمعات ، لذا أقام مؤتمرين فى إيطاليا و فرنسا و اشترط دعوة فتيات فى سن الشباب ، و بالفعل تكفلت وكالات الدعاية و الأعلان بإحضار عدد لا بأس به من الفاتنات الى مكان المؤتمر و قام العقيد بتوزيع نسخ من القرأن الكريم عليهن مع عدد لا بأس به من الهدايا لكل منهن ، يومها قام العقيد بشرح رؤيته حول المشاكل اللتى تعانى منها المرأة الأوروبية و رأيه فى سبل حل هذه المشاكل..

و بإنتهاء الجلستين شكرت النسوة القذافى على أهتمامه و أراءه القيمة و أنصرفن حاملين معهن ما حصلن عليه من هدايا بالإضافة الى أى مبالغ نقدية تم الأتفاق عليها مع المنظمين و أنتهى الأمر بسلام، بعدها عاد القذافى الى ليبيا ليواجه بعد أقل من عامين ثورة شعبية عارمة ، إذ يبدو أن الليبيين (لأسباب أشك أن القذافى يدركها حتى الأن) غير راضيين عن أراء و أفكار القذافى فى حل مشاكل الشعب الليبى نفسه و قرروا أن يأخذوا زمام المبادرة بأيديهم..

أما عن أفكار العقيد لحل مشاكل نساء أوروبا ، - فكما أستنتجتم بالتأكيد- لم يبال أحد من تلك النسوة بأراء لم يطلبنها من الأساس ناهيك عن كونها قادمة من شخص مثل القذافى و فى نهاية المطاف تعامل الجميع مع القذافى على حقيقته و ليس ما يدعى أنه عليه من العبقرية أو الحكمة..

لماذا أروى لكم تلك القصة الطريفة؟

لأننى أقرأ كتابا" يابانيا" هذه الأيام..

**********

عنوان الكتاب هو " العرب – وجهة نظر يابانية " و مؤلفه يدعى نوبوأكى نوتوهارا و هو دارس للثقافة العربية و أمضى أربعين عاما" من عمره متنقلا" بين البلاد العربية ، يمكنك أن تطلق عليه لقب "مستغرب" (عكس "مستشرق") لو جاز التعبير، ترجم خلالها الكثير من الكتب العربية حتى صار من كبار الخبراء اليابانيين في دراسة المجتمعات العربية ، الكتاب يحمل وجة نظر شديدة الصراحة (و إن كانت لا تخلو من القسوة فى بعض الأحيان) عن أحوال الإنسان العربى و تحمل نقدا" هائلا" لكثير من الأوضاع فى العالم العربى لدرجة أنه جأنى شعور أنه لو قام أحد اليوم بتأليف كتاب عن أسباب قيام الثورة المصرية لما أختلف كثيرا" عما قاله نوبوأكى فى كتابة..

الحقيقة أن الكتاب لأول وهلة يبدو صادما" و مؤلما" ، إذ تبدو فيه صورة المجتمعات العربية و الإنسان العربى من وجهة نظر يابانية بالغة السؤ ، على العكس تماما" من الصورة الحضارية الباهرة لليابان فى أذهاننا جميعا" ، العزاء هنا أنك تحس بصدق الرجل فى كلماته و تلمس مدى حبه للبلاد العربية و رغبته المخلصة فى أن تتخلص شعوبها من الأحوال المتردية التى تعيش فيها ، الى الدرجة التى دفعته الى كتابة النسخة العربية من الكتاب بنفسه لضمان وصول رسالته الى القارىء العربى مباشرة دون أن تشوهها الترجمة.. و بالفعل جاء أسلوب الكتاب سلسا" و مباشرا" و إن عابه من وجهة نظرى سرعة الإنتقال من فكرة الى أخرى دون أن يترك الفرصة للفكرة الأولى أن تكتمل فى ذهن القارىء و كأنه أراد أن يخرج كل ما عنده مرة واحدة فى أسرع وقت ممكن..

هذا الكتاب ذكرنى بثلاثة كتب قرأنها فى فترة سابقة ( و تصادف أننى قرأتهم بصفة متتالية) ، هم " العالم مسطح" لتوماس فريدمان و الثانى هو " نهاية التاريخ و الإنسان الأخير" لفوكوياما و الأخير هو " صراع الحضارات و إعادة صناعة النظام العالمى" الشهير لهانتنجتون و الكتاب الثلاثة يعتبروا من المفكرين السياسيين ثقال الوزن و يكونون ما يطلق عليه فى أمريكا "Think Tanks" و دائما" ما تثير أرائهم الأهتمام و الجدل.. و قد أحتل العالم العربى و الأسلامى جانبا" هاما" فى الكتب الثلاثة و كانت خلاصة ما توافق عليه الجميع بشكل غير مباشر هو أن الدول العربية كم مهمل لا قيمة له، لا يمثل خطورة و لا حتى يشكل تهديدا" للعالم الغربى ناهيك عن أنه لا يساهم بشىء فى الحضارة الإنسانية ، أن أقصى ما يمكن أن يفعله هو فقط إزعاج المصالح الغربية عن طريق الهجمات الإرهابية من وقت لأخر و حتى هذا يمكن السيطرة عليه بشىء من الذكاء فى التعامل.

و على العكس من كتاب نوبوأكى ، تستطيع بمنتهى السهولة أن تستشعر الصلف بل و حتى وجود نوع من الغرور فى المؤلفات الغربية الثلاثة ، لا أنسى فصلا" هاما" فى كتاب فوكوياما يدعى " البرابرة ليسوا قادمين" و هو يحمل قمة الإستخفاف بأى رؤية مخالفة للرؤية الغربية و هو للأمانة لا يتحدث عن المسلمين أو العرب صراحة و لكنك لا تحتاج الى ذكاء كبير لتدرك من يقصده فى هذا الفصل..

(ملحوظة: من باب الأمانة و إعطاء كل ذى حق حقه يجب أن أذكر أن توماس فريدمان كان أحد أكثر الكتاب الغربيين إحتفاءا" بالثورة المصرية و أنه زار مصر خلال الثورة و أحتفل مع المتظاهرين فى ميدان التحرير بعد تنحى مبارك)

ما أريد أن أقوله بإختصار هو أنه سواء أعجبك كتاب نوبوأكى أو أغضبتك كتابات فوكوياما .. هناك حقيقة واحدة مؤلمة لا يمكن إنكارها .. و هى أن العالم ينظر إلينا بعين الشفقة أو على أحسن تقدير لا يشعر بوجودنا من الأساس..

لهذا يمكن أن تفهم عزيزى القارىء مدى حيرتى و إندهاشى من الأراء التى تنطلق من وقت لأخر و تتحدث عن مدى عظمتنا و حكمتنا و أن مهمتنا المقدسة هى أن نهدى العالم الى طريق الخير و السعادة و أن العالم يحقد على المسلمين و يمتلىء غيظا" منهم بسبب ماضى الأمة الإسلامية المجيد و الذى يرتعدون خوفا" من عودته، منذ عدة أيام سمعت أحد الدعاة يتحدث عن عدم حاجة العالم إلينا من أجل التقدم العلمى أو التكنولوجى و لكنه فى حاجة الينا لقيادتة روحيا" و أن الغرب برغم كل ما يتمتع به فإن الغربيين أنفسهم لا يشعرون بالسعادة و أنه واجبنا أن نرشدهم إليها ، يقول هذا و كأن المواطنين فى البلاد العربية يرقصون فى الشوارع من فرط سعادتهم و سرورهم ، داعية أخر أخذ يتحدث عن المستقبل حين "يمتلك المسلمون الأرض" و لا تسألونى أرجوكم عن الكيفية التى سيمتلك بها المسلمون الأرض و هم ينتجون أقل من 1% من الإنتاج العالمى..

إن هذا التفكير الساذج يمثل عقبة حقيقية أمام التطور و يجعل صاحبه يعيش فى عالم خيالى لا علاقة له بالواقع ، و لأن أول خطوات حل المشكلة هى الأعتراف بوجود مشكلة لذا فإن السبيل الوحيد للتقدم هو النقد الذاتى مهما كان قاسيا" أو مؤلما" و الأعتراف أن ما كان يصلح فى الماضى أصبح لا يصلح اليوم و أن العالم لن يتغير لمجرد أنك تريده أن يتغير لمصلحتك..

إن الذين يتحدثون عن حقد العالم على المسلمين و خوفهم من عودة الدولة الإسلامية و كذلك اللذين يطالبون المسلمين بالسعى لحل مشاكل العالم الإجتماعية و الروحية (والتى لم يطلب منهم أحد حلها) لا يختلفون كثيرا" عن القذافى حين دعا النساء فى إيطاليا و فرنسا لسماع أرائه و مقترحاته لحل مشكلات المرأة الأوروبية ، ربما يسايرك البعض لفترة و لكن فى النهاية سيتعامل معك الجميع على حقيقتك و ليس على ما تدعى أنك عليه..

إن العالم لا يحقد علينا كما أنه بالتأكيد لا ينتظرنا..

إن العالم لا يرانا من الأساس..

كلمة أخيرة:

" إن فقدان وهم ، يجلب لك من الحكمة أكثر مما يجلبه العثور على الحقيقة" - المصدر مجهول